نطلق الركب المبارك، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والدليل وعامر بن فهيرة، فأخذوا طريق السواحل ، وكانت قريش قد رصدت جائزة لمن يدل على محمد أو يأتي به، فلحقهم سراقة بن مالك بن جُعشم، طمعاً في الجائزة فلما قرب منهم عثرت فرسه، ثم ساخت يداها في الرض حتى بلغتا الركبتين، ورأى غباراً ساطعاً إلى السماء مثل الدخان، فنادى بالأمان، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أخف عنّا، وكتب له كتاباً بالأمان. ولقيا الزبير بن العوام قافلاً من تجارة بالشام فكساهما الزبير ثياب بياض.
كان المسلمون بالمدينة يغدون كل غداة إلى الحرّة، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فرآه يهودي فقال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرون، فصار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إن عدد الذين استقبلوه خمسمائة من الأنصار، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر، وأهل المدينة يتنادون: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون، يا محمد يا رسول الله، يا محمد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابي البراء بن عازب: ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، ولبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى - مسجد قباء - وصلّى فيه، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: هذا إن شاء الله المنزل، ثم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً.